وصف hgl,ru

وكالة الأنباء عشتار برس الإخبارية موقع إعلامي شامل , نسعى من خلاله للنهوض بالمشهد الإعلامي والثقافي في وطننا العربي وفي جميع القضايا الحياتية ، كما نسعى الى تقديم كل ماهو جديد بصدق ومهنية ، تهمنا آراؤكم واقتراحاتكم ، ونسعد بمعرفتها ، كونوا دائما معنا كونوا مع الحدث . تنويه : تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع وكالةالانباء عشتار برس الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت , ولأي سبب كان , ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ,او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الأنباء عشتار برس الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه. رئيس التحرير د:حسن نعيم إبراهيم.

إعلان الرئيسية

طـوفـان الأقـصـى

النشرة الإخبارية

 فستان أحمر

بقلم: د. سوسان حرجس

وعلى حين غرة استفاقت من رقادها، وصاحت بأبنائها "ما أنتم إلّا عابرون فوق ظهري... بإرادتي"، سخطت عليهم وتبرّأت منهم فكان ما كان.

قصة قصيرة.. فستان أحمر  للكاتبة.. د. سوسان حرجس


بخطى مضطربة، ورأس يهتز من دون إرادة كرقّاص ساعة، سارت خلف عمّتها؛ إلى صدرها تشدّ بقايا فستان من كشمير أحمر متّسخ بماء وطين، كانت تحدّق به كأنها أرادت تدوين تفاصيله في مخيّلتها قبل أن يبتلعه الفراغ، في باحة المدرسة يزحف الصقيع متحدّيًا أكوام الحطب المضرمة، وكان الغروب يتسرّب موشّحًا بالظلام، والسماء تُدبغ بدماء العالقين عند أبوابها. 

بعيون مجوّفة بالملح، وأحاديث متكسّرة تقف عند حدود الهاوية، أفسح رجلان الطريق للعمّة المسنّة كي تقترض من رحم جهنم دفئًا يلعق بأجيجه أجسادًا هشّة، وحدها نور الصغيرة تجرجر قدميها نحو زاوية الملعب، تتكوّم فوق المقعد الحجري، وتراهم قادمين نحوها: أباها، أمها، وأختها سناء، كانت وجوههم بيضاء حدّ التلاشي، وعيونهم متبسمة بفرح لم تعهده من قبل؛ لسبب تعجز عن معرفته أخفت الفستان خلف ظهرها كما أخفت وجهها بين كفّيها الباردتين.

رمشت عيناها... أمسكت بيد أختها التوأم، ووقفتا أمام باب المصعد، كان في نظرات نور انكسار وخيبة أمل، لاحت منها نظرة حزينة نحو سلّم البناية، دمدمت: 

- "يا الله! صدري يؤلمني".

"سنصعد على مهل... سنغنّي أغنية ماما القديمة... لا تخافي، لن أسبقك هذه المرة"، هكذا حاولت سناء أن تخفّف عن أختها المريضة مشقّة الوصول إلى الطابق السابع في ظلّ الغياب المعهود للتيار الكهربائي.

عند عتبة كلّ طابق كانتا تجلسان وتغنيان:

"طيري يا طيارة طيري 

يا ورق وخيطان 

بدي ارجع بنت زغيرة 

على سطح الجيران 

وينساني الزمان 

على سطح الجيران....

علّي فوق سطوح بعاد 

عنسمة الخجولة 

أخدوني معهم الولاد 

وردولي الطفولة"  

تبتسم الفتاتان، وتكملان صعودًا نحو شقّة باتت فارغة من رائحة أمهما التي قضت في انفجار سيارة مفخخة منذ عامين، كان الأب ينتظر بقلق عند مدخل الباب الخارجي، حمل نور بين ذراعيه، كان صدرها يعلو ويهبط بطريقة غير منتظمة، مدّدها على الكنبة كي تستريح، تحسّس جبينها بيده الخشنة بسبب العمل المضني في معمل الطوب، تبسّمت له وقبّلت يده بامتنان.

ألقت سناء بنفسها فوق الكنبة المواجهة، أشرقت عيناها فرحًا حينما لمحت كيسًا على الأرض بجانب مقعدها، التقطته بفرح، لتكتشف أنّ في داخله فستانًا من الكشمير الأحمر بأكمام طويلة وياقة عالية وحزام ذهبي، قفزت نور من مكانها، كأنّما المرض شبح يجتاج جسدها ويغادره بمزاج متقلّب، خطفت الفستان من يد أختها هاتفة:

-  إنّه لي!

-  بل لي!

- لي بابا... أليس كذلك؟ ألست أنا المريضة؟

ترقرت الدموع في عينَي سناء باستياء وغضب طفولي، فهي تعرف أنّ مرض أختها سيبقى دائمًا نقطة ضعف العائلة، وتحديدًا والدها الذي يعيش معاناة القلق من مرض ابنته أكثر ممّا عاش يقين موت زوجته التي لم يدفن منها سوى وجه متفحّم وذراع احتضنتهما زاوية شارع حزين.

اقترب الوالد من ابنتيه، انحنى فوقهما، قبّل وجنتيهما مؤكّدًا أنّ الفستان لكليهما باعتبارهما توأمًا، ثمّ ما لبث أن انتفض صامتًا، واتّجه مسرعًا نحو المطبخ كهارب من مطاردة ملحّة، له ولابنتيه حضّر طبقًا من المعكرونة بشراب البندورة خاليًا من فتات لحم بات يعتبر من رفاهيات القلة المتخمة. 

حول طاولة المطبخ جلسوا يتناولون الغداء، وقد تجاوزت الساعة الرابعة، في الخارج كان ضوء النهار قد بدأ يتقهقر بفعل الطقس الرديء، وبدت الأمطار من النافذة كسياط منتقم تهوي فوق عري الأرض المتهدل، ازدردت الفتاتان الطعام، وهما مازالتا تتشاحنان على أحقّية لباس الفستان غدًا الأحد عند زيارة العمّة، فجأة نهرهما الأب لركلهما الطاولة التي ارتّجت بالصحون والأواني... جحظت عينا الوالد، تيبّس حلقه، كان كلّ شيء في المطبخ يهتزّ مدويًّا، المطبخ نفسه يرتجّ، الشقّة أصابها دوار ملعون، صرخ الوالد وصرخت معه الفتاتان مرتعبتين، بدا أنّ الأرض تهدر كوحش مزمجر يحرّك فكيه ليسدّ جوعًا عتيقًا.

بلمح البصر كان الناس يتدافعون على سلّم البناية مولولين، يحمل الأب ابنتيه بين ذراعيه، رجل يمسك بيد أمّه العجوز محاولًا الركض بأقصى ما يستطيع، ينبح كلب الجيران القاطنين في الشقّة الرابعة، يبدو في عدوه ككلب ضرير، لا ينفع الصراخ والبكاء في إسكات غضب الأرض على أبنائها، تفغر فاهًا، تبتلع درجات السلّم، تنسلخ الجدران لتكشف عن وجه إله أعزل عارٍ يتأمّل متثائبا لوحة المطر والموت.

 كلّ ما تتذكّره نور من العالم السفلي أنّها سمعت صرخة أختها حادّة مؤلمة، كأنّها طير يذبح، أرادت أن تمدّ يديها لتعطيها الفستان الأحمر الذي بقيت متشبّثة به، لكن ظلمة شرسة كبست على صدرها والتهمت صوتها. 

كطير مذبوح دوّت صرخات سناء حادّة مؤلمة، فوق نور هوى الوالد وقد التهمت الهاوية أنفاسه، صبغت الأرض شفتيها ووجنتيها وشعرها بالأحمر القاني، قهقهت كغول جائع... شعرت نور بالصقيع يتسلّل إلى عظامها وهي تسمع نحيب الناس المتشظين في ملعب المدرسة، اقترب منها أهلها، أطبقت أكفّهم الجليدية على وجهها تمامًا كما يطبق عنكبوت على ذبابة، غارت أنفاسها، بنظرات تائهة مدّت يديها نحو الفراغ متخلّية عن الفستان الأحمر، ضمّتها العمة إلى صدرها فشمّت رائحة الموت، من جديد اهتزّت الأرض ساخرة، ولول الناس وتدافعوا هربًا من أمّ جوعى تلتهم أبناءها.

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

* عزيزي القارئ *
لقد قمنا بتحديث نظام التعليقات على موقعنا، ونأمل أن ينال إعجابكم. لكتابة التعليقات يجب أولا التسجيل عن طريق مواقع التواصل الإجتماعي أو عن طريق خدمة البريد الإلكتروني

إعلان أول الموضوع

إعلان وسط الموضوع

إعلان آخر الموضوع

Back to top button